لقاء نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للمحامين

انتظر المحامون السعوديون لسنواتٍ إقرار مجلس الوزراء كيانًا يجمع أصحاب المهنة الواحدة؛ لرَفْع مستوى مهنة المحاماة، فهل لَبَّى تنظيم الهيئة السعودية للمحامين توقعات أصحاب المهنة؟

إن ما تَشهدُه البيئة العدلية مِن قفزات نوعية في عهد خادم الحرمين الشريفين، ودَعْمٍ ومتابعةٍ مِن سُمُوِّ وليِّ العهد الأمين حفظهما الله؛ أمرٌ يَستحق الإشادة والتقدير، ولن يُدرك أثَرَ ذلك التطوير إلا مَن عاصَرَ المهنة والقطاعَ العدليَّ لأكثرَ مِن عشرين عامًا، لذا يجب ألاَّ يحجب سقف طموح التطوير استشعار المتغيرات الإيجابية للبيئة العدلية.

وبمقارنة نمو التشريعات وتطوير الإجراءات في المملكة بصورة عامة مع الدول المجاورة، أو حتى مع دول العالم؛ يتضح مدى تسارُع عجلة الإصلاح على نحوٍ غير مسبوق! وبالأخص التطورات في القطاع العدلي، لذا فإن إقرار تنظيم الهيئة يأتي بعد سنوات مِن المناقَشة لمعالجة طلَبٍ رُفِعَ إلى الجهات الرسمية، وتَبَنَّتْهُ وزارة العدل؛ حيث رَفَعَ معالي الدكتور وليد الصمعاني – وزير العدل – مشكوراً خطابه للمقام السامي بطلَب إنشاء هيئةٍ وطنيةٍ للمحامين؛ تعمل على رَفْع مستوى ممارسة المهنة، وفي الوقت ذاته كان الهدفُ مِن التنظيم إقرارَ صلاحيات وأهداف هذا الكيان، وقد وَجَّه معاليه لجنةً مختصة بدراسة تعديل نظام المحاماة الذي سبَق إنشاء الهيئة بما يُقارب 15 عامًا، بما يُمَكِّن الهيئة مِن ممارَسة الصلاحيات والأهداف المرجوَّة، كما وَجَّه معاليه أيضًا بدراسة تعديل تنظيم الهيئة وفقًا لما تمخَّضَتْ عنه حاجةُ العمل؛ بما يمَنْح الهيئة صلاحيات أوسع لتعزيز رَفْع مستوى المهنة في قطاع المحاماة والاستشارات القانونية.

ومِن جهة أخرى فإنَّ أسلوب تشكيل مجلس إدارة الهيئة يَعكس توجُّه الدولة في أن تكون الهيئةُ جهةً مشرعة  تضطلع بمهام إرساء مَعايير المهنة، وتعمل على تذليلِ المُعوِّقات التي تُواجِه تنظيمَ المهنة بالتكامل مع الجهات ذات العلاقة ، لا سيما أنَّ للدولة تمثيلًا بارزًا في مجلس إدارة الهيئة مِن الجهات الأكاديمية المختصة، ووزارة التجارة والاستثمار، ووزارة الداخلية، ووزارة العدل، وديوان المظالم، ورئاسة معالي وزير العدل، الذي يَرْأَس أيضًا المجلس الأعلى للقضاء، ومِن ثم فإنَّ رَفْع مستوى القضاة ورَفْع مستوى المحامين مَرْهُونٌ بصلاحية مَن يَرْأَس هرَم السلطة القضائية، وهو: معالي وزير العدل. وأشيد بالدور الكبير الذي يوليه معالي الدكتور وليد الصمعاني لقطاع المحاماة حيث زاد عدد المرخصين من المحامين والمحاميات زيادة غير مسبوقة، وعمل على تقليص مدد الحصول على الترخيص، وساهم في تأسيس الهيئة ودعمها بما يحقق مبادراتها. كما أنه يوليها متابعة وتوجيها بما يحقق أهدافها، وبحمد الله فإن المبادرات التي دعمها وقدمها شاهدة على تطور القطاع كماً ونوعاً بالإضافة إلى تطلع معاليه نحو الأفضل مع موازنة حقوق أصحاب العلاقة، وتعميق جودة المهنة وكفاءة الخدمة المقدمة، بما يتلاءم مع المنظومة العدلية.

وهذا التشكيلُ الحكوميُّ وإنِ استحوذ على ثُلُثي مقاعد مجلس الإدارة، إلا أنه يعمل على مُواءمة الرُّؤَى والأهداف مع الجهات الرسمية، لا سيما في بدايات التأسيس لمعايير المهنة التي تحتاج إلى تآزُر الجهات لتمكين المهنة مِن التميُّز عن قطاع الاستشارات العامة، وجَعْلها مهنةً ذات معالم خاصة بها، وبمقارنةٍ مع تشريعات الهيئة المهنية في المملكة نجد أن جميع المِهَن تُقارب هذا التشكيل في مجالس إداراتها، باستثناء نظام الهيئة السعودية للمهندسين الذي عُدِّل بقرار مجلس الوزراء، بإعادة تشكيل مجلس إدارته ليكون جميع أعضائه مِن أعضاء الجمعية العمومية، وذلك بعد مرور ثلاث سنوات مِن إقرار النظام.

ولا يخفى أنَّ عددًا مِن المحامين يُبدون رغبتهم في تمثيلٍ واسعٍ للمحامين في مجلس الإدارة، إلا أنَّ بداية تأسيس المهنة تتطلب تضافُر الجهود الوطنية، لا سيما وأنَّ لجان المحامين في الغُرَف التجارية واللجنة الوطنية للمحامين كانتْ ذا تمثيلٍ كاملٍ مِن المحامين، لكنها كانتْ تتطلَّع لكيانٍ مستقلٍّ قادرة على التعاون الفعال مع الجهات الرسمية محليًّا ودوليًّا، ويتطلَّع لاعترافها ودَعْمها لتحقيق أهدافها؛ لذا أدعو الزملاء إلى الالتفاف حول بيتهم المهني الذي يضع النواة الأولى لبناء المجتمع القانوني. 

إنَّ مساحة العمل والإبداع متاحة، والحق يُقال: إن مجلس إدارة الهيئة برئاسة معالي الدكتور وليد الصمعاني يُقدِّم الدعم والمساعدة لما يتطلع إليه المحامون مِن مبادَرات ومشاريع، واستشعارًا مِن مجلس الإدارة بأهمية تمكين المحامين مِن إدارة العمل المهني، فقد أقَرَّ مجلس الإدارة تشكيل اللجنة التنفيذية التي تَضُمُّ المحامين الممارسين المنتخَبين، ومنح لائحتها صلاحيات واسعة، كما أَقَرَّ لجان المجتمع القانوني التي تقود التفاعُل في مختلف مناطق المملكة.

بالإضافة إلى توجه معالي وزير العدل أن يكونَ تشكيل أعضاء لجنة قَيْد وقَبُول المحامين مِن أعضاء مجلس الإدارة، وأن تُعقَدَ اجتماعات اللجنة في مقر الهيئة؛ لذا يجب ألاَّ يحجب رغبتنا في تطوير المهنة أو الانتساب للهيئة أسلوبُ تشكيل مجلس الإدارة؛ فالغايةُ هي تطوير المهنة، ومجلسُ الإدارة هو أسلوبٌ ووسيلة لإدارة ذلك التطوير.

بمقارنةٍ بين عدد المحامين وعدد أعضاء الهيئة يتضح فارقٌ ليس باليسير؛ فهل تعتقد أن تنظيم الهيئة السعودية للمحامين أثَّر سلبًا على انتساب المحامين وجعلهم يَعْزُفون عن فعاليات الهيئة؟

إن الانتساب لهيئة المحامين فَرْعٌ عن استقرار أوضاع ممارسة المحامين؛ فنظامُ المحاماة أَلْزَمَ المحامي بتحديد مَقَرِّ ممارسة المهنة، وبيانات وزارة العدل تُظهر أنَّ نسبة كبيرة مِن المحامين المُرخَّص لهم لم يُحدِّدوا مقرَّ ممارسة مهنتهم أو أنهم حدَّثوا معلوماتهم، فلا يمكن الركون إلى مجرد أعداد المرخص لهم بالجَزْم على أنَّ جميعهم ممارسون وفقًا للمتطلبات النظامية، ومِن جهةٍ أخرى فإن تنظيم الهيئة لم يُرتِّبْ أثرًا على عدم الانتظام في سداد رسوم العضوية؛ سوى الحرمان مِن الترشح لعضوية مجلس الإدارة، في مقابل ما تضمَّنَتْهُ ديباجة التنظيم بأنَّ الجمعية العمومية للهيئة في السنة الأولى تتكون مِن جميع المحامين المرخَّص لهم، ومِن ثم لم تَسْتَثْنِ أحدًا مِن الانتساب، لا سيما أن التنظيم لم يُشِرْ إلى كون العضوية خيارية؛ نظرًا لأنَّ أهداف الهيئة ولوائحها تشمل جميع المحامين؛ كالتصنيف والمعايير المهنية والعون الحقوقي، وكبقية الجهات المهنية في المملكة التي تُلزم منسوبي المهنة بالانتساب إلى هيئاتها، وهذه المساحة الرمادية جعلتْ عددًا مِن المحامين يُقايض انتسابه بما يحصل عليه مِن مزايا ومنافع! وهذا لا يتوفر في بدايات تأسيس الهيئة، التي تحتاج إلى تقوية مواردها المالية لتنفيذ مشاريعها، فبعض المحامين يرى أن انتسابه للهيئة يحقِّق له قيمةً مضافةً على ممارسته المهنية، وهذا يُعَدُّ تحديًا؛ نظرًا لمحدودية صلاحيات تنظيم الهيئة، وتعلُّق أغلب المطالب بنظام المحاماة وصلاحيات الوزارة.

إننا يجب أن ننظُرَ عند الانتساب إلى الهيئة عمومًا إلى التجمُّعات العلمية والمهنية، التي تتسم في الوطن العربي غالبًا بمحدودية الاشتراكات، وضَعْف ثقافة العمل التطوُّعي العلمي والمهني؛ فعلى سبيل المثال: توجد جمعيات مهنية وعلمية تُعنَى بالقطاع العدلي لم تحصلْ على أعضاء أكثرَ مِن الأعضاء المنتسبين للهيئة، فلا ينبغي أن تُلام الجهة على قلة المنتسبين؛ لأنَّ هناك عواملَ أخرى تُؤثر في الرغبة في الانتساب لا يعود أغلبها لنشاط المنظَّمة، وإذا لم يترتَّبْ على عدم الانتساب للهيئة مِن أثرٍ ستبقى الاشتراكات محدودةً، ولا يتصور بحالٍ مِن الأحوال أن تشملَ جميع الممارسين بدون نصوصٍ تُرتب أثرًا على عدم الانتساب، وهذا هو توجُّه معالي وزير العدل، الذي وَجَّه فريقًا مِن المختصين إلى وَضْع القواعد وتعديل التشريعات للإلزام بالعُضوية لتحقيق الأهداف المتوخاة من تنظيم الهيئة.

والجديرُ بالذِّكر أنَّ نقابة المحامين في نيويورك التي تُقَدِّم خدمات متميزة لمنتسبيها؛ قررتْ عدم الإلزام بالعضوية، والاكتفاء بتسجيل ساعات تعليم مهني مستمر عبر برامج تدريبية وتأهيلية؛ فانخفَض عددُ المشتركين مما يُقارب 500 ألف مشترك إلى أقل مِن 60 ألف مشترك في عام واحد! الأمر الذي يجب أن يُؤخَذ في الحسبان؛ إذ الغاية هي ضبطُ إيقاع القطاع والرقابة عليه، وإيجاد السُّلطة النظامية اللازمة للإشراف على مَنسوبيه؛ سواء كان ذلك بالاشتراك في العضوية أو بموجب التبَعية للجهة المسؤولة عن تطبيق نظام المهنة.

هناك مَوْجةٌ مِن عدم الرضا مِن بعض المحامين بما قدَّمتْهُ الهيئة مِن أعمال، فكيف يتعامل معه مجلس إدارة الهيئة؟

إنْ فُسِّر “الرضا” بمعنى: القناعة؛ فبلا شك أنَّ طُموح مجلس الإدارة أكبر مِن الركون إلى ما حقق مِن أعمالٍ؛ لأنَّ التوقف عند البدايات ينُمُّ عن رؤية متدنِّية، وهذا خلافُ توجُّه الهيئة وما قرره مجلس الإدارة مِن استراتيجية ومشاريع لا تزال طور التنفيذ والإعداد، ومِن المنتظَر أن يكونَ لها أثرٌ بارز في القطاع يلمسه المحامون.

إنَّ عدم رؤية الشجرة لا يعني عدم وجود البذرة التي تحتاج إلى عنايةٍ ومتابعةٍ، واكتمال فصول النمو المعتادة في أي مشاريع أو مبادَرات، ومِن هنا أؤكد على أنه مِن الاستعجال الحُكم على الهيئة بما قدَّمتْ مِن أعمال، وإنما يكون الحُكم بأسلوب التنفيذ، ومنهجية القرار وتوافُقه مع مكونات التشريعات وإجراءات الجهات الرسمية الأخرى، فأيُّ مُستثمر يُدرك أن الفائدة والعائد على استثماره يحتاج وقتًا، ويتطلَّب جهدًا وتمويلًا، ومع ذلك يتعرَّض لمخاطرَ مُصاحبة لأي مشروع، والأمرُ مماثلٌ مع أعمال الهيئة ومبادراتها.

وإنْ فُسِّر “الرضا” بمعنى: الاستحسان؛ فمِن المُنْصِف لأيِّ مراقب أن يستحسنَ ما أُنْجِزَ مِن أعمالٍ ومشاريعَ ترَكتْ بصمةً محليةً ودولية، فخلال 18 شهرًا وضعت الهيئةُ بصمتها على مجالات عدة ليس المجال مناسبًا لحصرها، ويمكن للقارئ الاطلاع عليها مِن خلال تقارير الهيئة السنوية والربعية، ولكن أشير إلى أن الإنجازات مقارنةً بعُمر الهيئة القصير أضحتْ مقام إشادة مِن وزارة التعليم التي بموجب الشراكة والتعاون مع الهيئة ابتَعَثْ ما يُقارب 1200 مبتعثٍ قانوني، وقدَّم المحامون للوطن ما يُقارب 30 ألف ساعة تطوُّع في سابقةٍ مِن نوعها في تاريخ المملكة، وإقامة ما يربو على 50 فعالية مجانية أقامَتْها الهيئةُ في مختلف مناطق المملكة، استفاد منها ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مستفيد، كما تم الاعتراف بتأهيل عضو الهيئة دوليًّا لدى هيئة المستشارين البريطانية، وربط مكاتب المحاماة برَقْمٍ مرجعيٍّ مع مركز المعلومات الوطني؛ بحيث يكون بديلًا عن اللجوء لاستخراج السجل التجاري، وقبل ذلك كله استكمال البناء المؤسسي للهيئة مِن خلال الأمانة العامة والسياسات واللوائح، والمقار الملائمة، وآليات العمل والاتصال والتواصل مع الجهات الرسمية؛ مما يُشكِّل القاعدة الأساسية لأي تطويرٍ أو بناءٍ.

ولا يُفهم مِن “الرضا” أن يكون مُرادِفًا لمعنى: القَبول؛ لأن قرارات الهيئات المهنية والمنظمات تُبنَى على رأي الأغلبية وَفْقَ إطارٍ مؤسسيٍّ يُحدِّده تنظيمها، ومِن ثم فلا يحق للأقلية عدم الخضوع لرأي الأغلبية؛ وعلى سبيل المثال: عندما صوَّتت الجمعية العمومية على رسوم العضوية، كانت نسبة الموافقين تَفوق 77%؛ مما يُحقِّق المضي نظامًا في تبني القرار، ومن ثم فلا تَحْتَجُّ الفئة المعارضة بعدم رضاها في المضِيِّ في القرار؛ لأن آلية اتخاذ القرار لا تتطلب الإجماع على اتخاذه، ولا يتصور ذلك في أي منظمة، وبالمناسبة فإنَّ رسوم العضوية – ومِن خلال دراسة ميدانية استقصائية للمهن الأخرى في المملكة – تُعَدُّ الأقل أخذًا في الحسبان شمولَ رسوم الهيئة لرسوم ترخيص المحاماة.

كيف تتعامل الهيئة مع النقد المُوجَّه لها؟

يُخطئ البعض في قَصْر مفهوم النقد على “المفهوم السلبي” لأداء المنظمات؛ فالنقدُ بمفهومه العام هو: التعبير عن سلبيات وإيجابيات أعمال أو قرارات يتخذها شخصٌ طبيعيٌّ أو معنوي في مختلف المجالات، وذلك مِن وجهة نظر الناقد الذي قد يتطرق في نَقْدِه إلى مكامن القوة أو الضعف فيها، وقد يقترح أحيانًا الحلول.

وبصورة عامة: فإن الهيئة ترصد ما يُرسَل إليها عبر القنوات المخصَّصة للتواصل، وقد أطلقتْ منصة خاصة بالمقترحات [على موقع الهيئة] تسمى: “قَدِّم مقترحك”؛ لضمان معالجة ووصول تلك الآراء ودراستها، وفي المقابل تتفاعل مع الجمهور في مختلف الوسائل لتقديم الخدمات، وسماع الملحوظات على أدائها، وتصحيح ما يلزم تصحيحه، لا سيما في المجال التقني أو تقديم الخدمات، وهو ما يسمى بـ: آلية التطوير والتحسين الإداري المستمر.

وحرصًا على تفعيل عُرَى التواصل المهني فقد خصصتْ لجانُ المجتمع القانوني اللقاءات ذات الأهداف المحددة؛ لمعالجة ورَصْد ما مِن شأنه التسهيل على المحامين، وتلمُّس احتياجاتهم، كما عقدتْ سلسلة لقاءات عن معوقات وتحديات المهنة، وعن التحديات التي تُواجه المتدرب القانوني، وعن التحديات التي تُواجه الممارس مع الأنظمة التقنية في الجهات العدلية، كما تنقل لجان المجتمع القانوني في مختلف مناطق المملكة توصيات واقتراحات المحامين إلى أعضاء اللجنة التنفيذية والأمانة العامة.

وكذلك تُتابع الهيئة ما يُكتب إليها مِن خطابات مِن الجهات الرسمية، أو ما يُدَوَّن في الصحف ووسائل الإعلام، وتَرُدُّ على الشائعات الجوهرية التي ترى أهمية تفنيدها، وذلك بتوضيح كلِّ ما يتم نَشْرُه عنها في حال كان يتنافى مع الحقيقة، وتتوجَّه للجهات المعنيَّة في حال تجاوزتْ وسائل الإعلام النقد البَنَّاء والموضوعي.

وفي دراسةٍ قام بها مركزُ استطلاع آراء العموم بالهيئة عن تصنيف أسباب الانتقاد السلبي، جاءتْ معظم تلك التوجهات مبنيَّةً على وقائعَ غير صحيحة؛ إمَّا بناءً على معلومةٍ خاطئة، أو ٍتصوُّرٍ لم يستندْ إلى الصلاحيات الموكَّلة للهيئة بموجب التنظيم، أو خلطٍ بين دور الهيئة ودور وزارة العدل المسؤولة عن تطبيق ومتابَعة الالتزام بنظام المحاماة، كما أنَّ بعضًا من الانتقادات يرجع إلى عدم الاطلاع على مسيرة تنفيذ الأعمال الحالية مع الجهات الرسمية، وما تتطلَّبه مِن مُشاوَرات وتفاهُمات لتحقيق المصلحة الوطنية المشتركة، ولا يُمكن للهيئة الإفصاحُ عن تلك المشاريع قبل اكتمال الموافَقات اللازمة لها.

كما أنَّ قرارات الجمعية العمومية الأُولى أكبر دليل على تجاوُب إدارة الهيئة مع المصلحة العامة التي يراها أعضاء الجمعية العمومية، بل إنَّ مشاريع السياسات واللوائح تُطْرَح لاستطلاع آراء العموم قبل إقراراها من مجلس الإدارة، ومع ذلك فإن نِسَب المشاركة فيها محدودة، ولا يمكن أن تبقى المُسَوَّدات لفترة طويلة دون أن تُقَرَّ، لا سيما وأن تطويرها ومراجعتها يتم سنويًّا وحسب ما تقتضيه حاجةُ العمل.

تُعَدُّ آلية الانتخاب أَحَدَ أساليب إدارة المنظمات المهنية، وقد عُيِّنَ أولُ مجلس إدارةٍ للهيئة بطريق التعيين المباشر مِن قِبَل معالي وزير العدل استثناءً مِن القاعدة الأساسية وهي الانتخاب، فما تجهيزات انتخابات الدورة القادمة؟

تُعَدُّ الانتخابات الوسيلة الأكثر شُهرة في التعبير عن رأي الممارس في إدارة مجتمعه المهني؛ فالهدف الأساس مِن الانتخابات هو الوصول إلى منصة اتخاذ القرار لتهيئة ظروف ملائمةٍ للنمو والتقدم، وتحقيق الأهداف المحدَّدة، والقضاء على الانفراد بالسُّلطة الإدارية، والحد مِن القرارات الفردية العشوائية، ومن هنا يجب أن يُعْلَم أن السُّلطة الكبرى تخضع للجمعية العمومية، وليستْ بِيَدِ مجلس الإدارة وفقًا لتنظيم الهيئة؛ حيث يُدير مجلس الإدارة الأهداف والتوجهات الاستراتيجية، ويُنفذ السياسات واللوائح التي أقَرَّتْها الجمعية، في حين تضطلع الأمانة بمعالَجة عمليات التنفيذ اليومية، والوفاء بتوجيهات مجلس الإدارة، فهذا الكيان المؤسَّسي لا بد أن تكون له بداية؛ فجاء التنظيم باستثناء أول دورة للمجلس، واستثناء أول جمعية عمومية لوَضْع أحكام انتقالية تُمَهِّد لمرحلة التأسيس.

وسعيًا مِن مجلس الإدارة للتهيئة لإيجاد مُرشحين أَكْفاء لشُغل عضوية مجلس الإدارة؛ أَطْلَقَ مبادرة المجتمع القانوني في مناطق المملكة كافة لتهيئة المرشحين على أعمال إدارة التفاعل القانوني، والمشاركة في أعمال الإدارة، وإعطاء الفُرَص بالتساوي للراغبين في شغل العضوية كافة، وذلك بأن يتعرفَ الجمهور عليهم مِن خلال تفاعُلهم في المجتمع.

وقد بَحَثَ مجلس الإدارة الضوابط التنظيمية لعمَل لجنة الانتخابات، والمُدَد النظامية اللازم استيفاؤها، وحاليًّا لم يمضِ على استيفاء عضوية الهيئة سوى سنتين ماليتين، في حين اشترط التنظيم أن يكون المرشَّحُ مُسدِّدًا لرسوم العضوية لثلاث سنوات متوالية، وقد رُفِعَ الموضوع إلى معالي وزير العدل الذي يُناقشه مع الجهات العليا للوفاء بآليةٍ نظامية لمعالَجة الوضع الراهن.

كيف تُقيِّم مسيرة الممارسة القانونية في المملكة؟

إنَّ منحنى نُضج تجربة الممارسة المهنية في المملكة لا يزال في ازدياد واستمرار وتكامل؛ لأنَّ بيئة الممارسة القانونية هي عملية تكامُلية تبدأ مِن الدراسات الجامعية، واستشعار بيئة الأعمال وأهمية الاستعانة بممارس قانوني مختصٍّ، ونُضج التشريعات التي تُقوِّي مكانة الاستعانة بالمحامي، وتطوُّر بيئة مكاتب المحاماة في مختلف مناطق المملكة، وتناسُب أعداد الممارسين مقارنةً بسُكان كل منطقة إدارية، كما أن تطوُّر أسلوب العمل القضائي وتشريعاته، وتطوُّر إجراءات الجهات الرقابية، وجهات التحقيق – يُعطي الممارسة القانونية الوقودَ الذي يَدفعها للازدهار والنمو.

ومِن الإيجابيات المشاهَدة أن أغلب الجهات الحكومية أصبحتْ مؤخَّرًا تُنشئ إدارات قانونية مختصة، وتدعمها بأعدادٍ مِن القانونيين، وقد أكَّدَ مجلسُ الوزراء في قراره رقم (265) بتاريخ: 21/6/1435هـ على الجهات الحكومية بضرورة الاهتمام بالإدارات القانونية، ودَعْمها بالكفايات المؤهَّلة في المجالين الشرعيِّ والنظاميِّ.

وأودُّ أن أشيد بمشارَكة الزميلات القانونيات في مهنة المحاماة؛ حيث بدأت الجامعات السعودية بتخريج أول دفعة مِن القانونيات عام 2003 م، ومنذ ذلك الحين وهُنَّ يُشارِكْنَ زملاءهم العمل في المحاماة، ويُقَدِّمْنَ الاستشارات القانونية وأعمال التحقيق والادِّعاء والتوثيق، وبذلك تكون مهنةُ المحاماة الأسرع في تمكين المرأة مقارنةً بالمهن الأخرى، التي احتاجتْ لوقتٍ طويل لمشاركة المرأة فيها! كما كان للزميلات القانونيات حضورٌ بارزٌ في انتخابات لجان المجتمع القانوني في أغلب المناطق؛ مما يجعل الطريق مُمهَّدًا لهنَّ لشغل عضوية مجلس الإدارة.

وإذا تأمَّلْنا الهدف الأساس مِن تنظيم الهيئة – وهو: رَفْع مستوى ممارسة المحامين لمهنتهم – يتضح مدى تطلُّع الدولة إلى إيجاد نقلةٍ في قطاع المحاماة؛ ليكون قطاعًا احترافيًّا رائدًا قادرًا على استيعاب الخريجين، وتقديم الخدمات اللازمة للدولة، والمشاركة في التنمية، ولا يَتَأَتَّى تحقيق هذا الهدف إلا بوَضْع الضوابط التنظيمية، وإحكام الرقابة على المخالفين، وتمكين المحامين مِن الممارسة وتسهيل تقديم الخدمات إليهم. 

إنَّ زيادة أعداد المحامين – والمتوقَّع أن تتجاوز في نهاية عام 2020م، ما يقارب 20 ألف ممارسٍ قانونيٍّ – تضع عبئًا كبيرًا للاهتمام بجودة المحامي، وتشديدًا في ضوابط التأهيل والترخيص؛ لضمان وجود كفاءاتٍ قادرةٍ على رَفْع مستوى ممارسة المهنة، وإيجاد منافسة عادلة بين تلك الكفاءات.

  • تَرَأَّسْتَ لسنواتٍ اللجنةَ الوطنية للمحامين، كيف ترى مستقبل عمَل لجان المحامين في الغرف التجارية؟

يدين المحامون للغُرَف التجارية بالشكر والعِرْفان لاحتِضانها النشاط الاقتصادي للمحامين منذ الثمانينيات الميلادية، والتي كانت الأساس والنواة في مطالب تأسيس كيانٍ وطنيٍّ يضمُّ المحامين، وقد قدَّمتْ تلك اللجان العديد مِن المبادَرات والمشاريع لخدمة المهنة، بالرغم مِن مَحدودية الصلاحيات والتمويل، لكنها كانت المظلة التي تجمع المحامين الراغبين في الانضمام إليها، على الرغم مِن عُزوف كثيرٍ منهم عن المشارَكة والتفاعُل، ولم يكن ذلك مداعاةً لنَقْدِهم أو تعليق طموحات عليها.

وبعد إنشاء الهيئة وإطلاق لجان المجتمع القانوني، أصبح مِن المصلحة الوطنية توحيدُ تلك التجمُّعات الوطنية؛ لتكونَ جهةً واحدةً تُحقِّق الأهداف الوطنية، وهذا مُتَّبَع في مِهَنٍ أخرى؛ كالهندسة، والمحاسبة، وغير ذلك، وتُعَدُّ الفترة الحالية فترةً انتقالية لتلك الأعمال لتندمج مع أنشطة لجان المجتمع القانوني، وتخدم قطاع الأعمال في الغُرَف التجارية.

أخيرًا: ما أبرز المخاطر التي تُواجه قطاع المحاماة والاستشارات القانونية؟

إن تنظيم قطاع المحاماة والاستشارات القانونية يُعَدُّ التحدي الأكبر الذي تضعه الهيئةُ نُصب عينيها؛ لِمَا يتمخض عنه مِن مخاطر؛ سواء على الممارسين أنفسهم، أو على المستفيدين من الخدمات القانونية. 

وإن توفير الحماية للممارسين يبدأ بالتعرُّف على المنشآت التي يمارسون مِن خلالها المهنة؛ بحيث تُستَبْعَد وتُلاحَق أية ممارسة لا تستند إلى مقرٍّ مختار للممارِس؛ وذلك وفقًا لاشتراطات نظام المحاماة بضرورة اختيار مقر الممارسة خلال تسعين يومًا مِن استلام الترخيص، وإنَّ عدم الوفاء بذلك يُعرِّض الترخيص للشطب، ومن ثم فإنَّ النظام يُضفي الحماية على هذا النشاط الاقتصادي وفقًا لهذه الآلية، وفي المقابل تقوم الجهاتُ المعنيَّة بمُلاحَقة المكاتب المخالفة التي تمارس المهنة بلا ترخيص، أو ملاحقة الأشخاص الذين يمارسون المهنة بلا مقرٍّ؛ لذا فإنَّ تحديد مقرِّ المُنْشَأَة يُسهِّل تقديم الخدمات للممارس القانوني؛ مِن حيث الربطُ مع أنظمة الجهات الرسمية؛ (كوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، ووزارة البلَدية والشؤون القروية، والدفاع المدني، والهيئة العامة للزكاة والدخل، وغيرها مِن الجهات اللازمة لممارسة الأعمال)، ويُمَكِّن الممارس القانوني الاستفادة من برامج الدعم الحكومية التي تُقدَّم للمنشآت المتوسطة والصغيرة، وتُؤهل المحامي كذلك للتقدُّم على المنافسات التي تطرحها الدولة.

أما مِن حيثُ استفادةُ المستفيد مِن ثبات عنوان مقر المحامي، فهو ضمانُ جودة الخدمة المقدَّمة، والرجوع للمكتب كتعامل مؤسَّسيٍّ وليس فرديًّا، وضمان المسؤولية ورقابة الجهات الرسمية، ومعرفة أماكن وجود المكاتب المختصة في المناطق الإدارية وتفاصيل وجودها في المدن.

وتَكمُن مخاطر عدم تحديد مقر الممارسة في: ارتفاع مخاطر جرائم غَسْل الأموال، وضَعْف الخدمة المُقدَّمة، وغياب الرقابة على الأعمال؛ مما يُؤثر على مؤشرات المملكة الدولية لأداء الأعمال، والخطرُ الأكبر هو غيابُ الرقابة على هذا النشاط الاقتصادي، وصعوبة ممارسة المحامي لمهنته؛ نظرًا لعدم تمكُّنه مِن أداء الأعمال مع الجهات الرسمية؛ فالمحامي بموجب النظام لا يُمارس عملًا تجاريًّا يلزمه بالتزامات التاجر مِن حيثُ استخراج السِّجل التجاري، ويُعَدُّ ذلك مخالفةً، وقد عمَّمَتْ وزارة التجارة والاستثمار حَظْرَ استخراج السجل التجاري لنشاط المحاماة؛ مما ترتب عليه حرمان المحامي الاستفادة مِن التسجيل في العنوان الوطني، واستخراج ملف في وزارة العمل، والاستقدام، واستئجار مقر، وتأسيس خطوط هواتف الاتصالات والمطبوعات…، إلى غير ذلك مِن الخدمات اللازمة لممارسة الأعمال؛ لذا فإنَّ الهيئة تُعِدُّ مبادرةَ (سجل المنشأة القانونية) كإحدى المبادَرات الجوهرية التي تُعالج تلك المخاطر، وتُقدِّم خدمات وتسهيلات للمحامين مِن خلال رَقْمٍ مرجعيٍّ يجعل مكتب المحاماة هُويَّةً اعتبارية مرتبطة بنظام مركز المعلومات الوطني، والذي يستكمل الربط معه في صَدْر عام 2019م بمشيئة الله تعالى.